Slider

قبل الإعمار.. نحتاج مشاريع إنقاذ

عبدالقوي العديني

فيما التحديات والمخاطر مازالت قائمة والأصابع على الزناد، ولم تبلغ الحرب خواتيمها بعد، يركز الخطاب السياسي الإعلامي  الدولي على ما يسميه بالتحديات الوشيكة بشأن اليمن،

ويطلق على تسميتها: إعادة اعمار اليمن.

 وبرأيي فإن هذه  التسمية تأتي من خارج قاموس الواقع المعاش؛ فالمرحلة يمكن أن يطلق عليها مرحلة بدء التعافي، أما مرحلة «إعادة اعمار اليمن» فما زال الوقت مبكراً للحديث عنها. 

 وفي ظل الوضع الراهن، يعمل القطاع الخاص بإصرار كبير، في بيئة معقدة وشائكة؛ للقيام بمسؤوليته الاجتماعية مسانداً بذلك  الجهود الحكومية والسلطات المحلية لخدمة المجتمع، وبحسب توصيف رئيس الوزراء؛ فان أدوات الحكومة قد تحسنت وتسعى لتحسين بيئة الاستثمار ويتفق معه رئيس الغرفة التجارية الصناعية بعدن بان العام 2018 كان أفضل من الأعوام السابقة.

 

 ولعل ما قام به البنك المركزي بالعاصمة المؤقتة عدن خلال العام الماضي قد مثل نجاحاً نسبياً لإعادة رسم وتفعيل السياسة النقدية، رغم الجدل والخلاف الذي رافق عمل اللجنة الاقتصادية والبنك.

 

 ولا ريب أن ذلك النجاح يُحسب للحكومة، وللمملكة العربية السعودية؛ التي قدمت الوديعة ومنحة المشتقات النفطية، وكذلك للمشاريع الإماراتية التي تنفذ في إطار الإغاثة والخدمات الأساسية؛ وبالتالي فإن الجهود المبذولة من أشقاء اليمن تستحق منّا كل الشكر.. وتُوجب علينا أن  نمضي بتفاؤل في مرحلة التعافي الاقتصادية ولكن دون مبالغة؛ أو إنكار لما تقوم به الحكومة ، خصوصاً فيما يتعلق بتصحيح السياسة النقدية وإعادة رسم وتفعيل السياسية المالية وكافة المؤسسات الحكومية.

 وعوداً على بدء، فإن مصطلح «إعادة الاعمار» يحمل في طياته معاني كثيرة فهو لا يعني إعادة ما كان، ولا الالتزام ببنى تحتية إستراتيجية، فهي مشاريع تعنى بالأوطان وليس بالهبات والمساعدات التي تمنحها الدول لغيرها من الشعوب.

 

 إن ترديد مصطلح «الإعمار» ليس أكثر من وسيلة للإبقاء على بنى الهيمنة وديمومتها وبالتالي فان« اقتصاديات الحروب»

 والمساعدات الإنسانية واحدة منها.

 وباعتقادي إن من الخطاء إعتبار المساعدات التي تمنح في ظل الحروب وتسوق على أنها تأتي وفقاً لخطط وبرامج إستراتيجية لإعادة « اعمار اليمن».. إنما هي مشاريع إسعافية، أشبه بعمليات جراحية عاجلة لإدارة وضع قائم  والسيطرة عليه.

 كذلك فإن التحول المطلوب يتلخص في البدء بترجمة ما أجمع عليه في مؤتمر الحوار وما نصّت عليه الأدبيات الاقتصادية والتنموية ،وأن تكون تلك المخرجات هي المرجع الرئيسي لبناء اليمن الجديد .

 على هذا الفهم نتطلع  أن تتأسس الأقاليم وتتشكل؛ وعلى الحكومة والقيادة السياسية الإسراع بإيجاد الصيغة التي تضبط الإيقاع بين الحكومة الرئيسية والأقاليم التي أصبحت واقعاً عملياً يتشكل على الأرض؛ مع تفاوت الصلاحيات والأدوار والوظائف التي تتم فيها : وحضرموت ومأرب وعدن أنموذجا.

 وعلى القوى المؤثرة في إقليم الجند أن تبدأ بالتحرك الجاد للبحث عن دورها المفقود وعن الطريق الصحيح الذي يبدأ بتوحيد فصائل المقاومة وإنهاء الخلافات فيما بينها، ومن ثم حسم النزاع مع «إقليم أزال».

 

 والمؤكد أن لدى المكونات السياسية الداخلية وكذا الخارجية بمختلف أيدلوجياتها وتوجهاتها، رؤى وتصورات سياسية أخرى لمفهوم عملية «إعادة الإعمار» لا نعرف تفاصيلها باستثناء بعض التكهنات التي تتحدث عن مشاريع «بريكس BRICS» الذي تلتقي وتتقاطع فيه مصالح الشركات المتعددة الجنسيات، ومشاريع جديدة للمضايق المطلة على البحار، وسيناريوهات محتملة للشرق الأوسط؛ واليمن واحدة منها.

 وقطعاً، فإن الأقاليم قد بدأت فعليا تتشكل وتترجم خططها التنموية عمليا وعلى أرض الواقع ،وان كان ذلك يتم في أجواء تتعزز فيها قوة الإقليم فيما تتلاشى السلطات الرئيسية وتضعف حكومة الدولة في الفترة الراهنة، والمستقبلية في قادم الأيام .

 وبشكل عام نستطيع القول بأنه آجلاً أو عاجلاً ستتحدد طبيعة وشكل مرحلة «إعادة الإعمار» ونوعيتها، وكذا طبيعة الواقع التنموي والاقتصادي الجديد لكل إقليم، وبلا شك لن يسلم ذلك من تبعات التعقيدات السياسية، وانعكاسات وآثار ونتائج الحرب .. 

 وبالوقوف على هذه الأرضية الشائكة وتخطي حواجزها وتعقيداتها، ستتجاوز اليمن كافة الأزمات والمحن والتحديات التي تحدق بها، وعلى الجميع إدارك حقيقة أنه لن يُعمر الأقاليم إلا أبناؤها، ولن يبني اليمن الاتحادي وينميه ويطوره إلا قيادته وموارده وثرواته..

 وحتماً، فإن اليمن القادم لديه الكثير من الخيرات والموارد ليقف عليها بقوة.. 

 وبالله التوفيق

 

الاستثمار: فبراير/ 2019


طباعة   البريد الإلكتروني