الإمارات | إقتصاد
خطط الخمسية حققت نمو الصين ووفرت تنمية اقتصادية عملاقة
محرر الاستثمار Uncategorised
اعتمدت الصين عبر عقود متتالية من نموها الاقتصادي والاجتماعي، على التخطيط الاستراتيجي المستدام وفق خطط خمسية ساهمت في نقل الصين من الفقر المدقع الى دولة نامية متقدمة، تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، فالتزمت المبادئ الماركسية تحت شعار "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية"، ونجحت في القضاء على الفقر وتوفير متطلبات الرفاهية والعدالة الاجتماعية، في تأمين السكن والعلم والصحة للجميع وفق معايير الجودة العالمية، فالصين اليوم وبفضل هذه السياسات باتت ثاني أكبر إقتصاد في العالم، والأولى في صناعات الطاقة النظيفة والسيارات الكهربائية، والتكنولوجيا عالية الجودة، لقد حققت الصين نموا متسارعا في بناء المدن الحضرية في الأرياف على قاعدة "الصيني النمط" لتوفير المساواة بين الريف والمدينة، بحيث يمكن القول ان البنى التحتية الصينية من أكثر الدول تطورا وحداثة في مجالات عديدة كالمواصلات ونقل الكهرباء (الجهد العالي)، وتوفير الكهرباء للجميع، كما ان الصين من أول دول العالم التي تطلق المبادرات الاقتصادية لتعزيز النمو وتسهيل حركة التجارة وتوسيع آفاقها وتوفير الأسواق الجديدة، وتوفير الفرص للمستثمرين بتسهيلات مميزة، إضافة الى قوة عسكرية دفاعية متطورة.
بفضل سياسات الصين الناجحة ارتفع مستوى الدخل لدى الصينيين الى مستوى متقدم بين دول آسيا ودول الجنوب العالمي، فالصين اليوم من أكبر الأسواق الاستهلاكية عالية الجودة، كما انها من الدول الأولى في العالم التي تمسك بزمام المبادرات الاقتصادية الأكثر تطورا لا سيما الصناعات المستقبلية الدقيقة المرتكزة على المعادن النادرة والمرتبطة بالذكاء الاصطناعي واشباه المواصلات.
مع نهاية العام 2025 تنهي الصين خطتها الخمسية الرابعة عشر لتستقبل الخطة الخمسية الخامسة عشر (2025– 2030) وفي هذا السياق لا بد من قراءة للإجراءات التي اعتمدتها الصين في مجال تطوير سياسات التنمية الاقتصادية، واعتمادها الإصلاحات الهيكلية وفتح أبواب الاقتصاد، حيث طوّرت
سياسات تهدف إلى تعزيز دور الاستهلاك المحلي وتقليل الاعتماد على التصدير. ضمن استراتيجية “الدوران المزدوج"، واهتمامها بالصناعات عالية التقنية، الابتكار، البنية التحتية المتطورة، والطاقة المتجددة.
لقد ركزت الصين اهتمامها على تنوع الشراكات وتحسين العلاقات الدولية الاستراتيجية مع الدول العربية، ليس فقط في النفط والغاز، بل في الزراعة، والتصنيع، التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، وحتى الثقافة والسياحة، ما ساهم في زيادة الواردات من الدول العربية، وسهل حركة التجارة، والتفاوض على اتفاقيات تجارة حرة أو تعاون في قوة الاستيراد أو التصدير.
خطط الصين الخمسية وإجراءاتها الاقتصادية والسياسي مكّنتها من مواجهة الضغوط الدولية وحماية الاستقرار الداخلي وتحقيق قفزات نوعية في نموها المتسارع الصعود، في عالم تسوده سياسة دولية وتجارية متغيرة، كما حمتها من جنوح السياسات الأميركية والغربية المتوترة والحواجز الجمركية والعقوبات المحتملة، وتأثير الحروب المتعدد على سلاسل التوريد.
في هذا السياق تُبرز البيانات والأرقام، نجاح تلك السياسات المتبعة حيث تظهر نتائج الخطة الخمسية الرابعة عشر، نموا يؤكد صوابيه الخيارات الصينية المستدامة، حيث توقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالسيناريو الأساسي، بحوالي 5.5٪ بحلول 2030، وبـ حوالي 21٪ بحلول 2040.
كما سيؤدي الإنفاق الحكومي الموجه نحو دعم الأسر، إلى رفع نسبة الاستهلاك من الناتج المحلي بمقدار نحو 13 نقطة مئوية بحلول 2040، مما يعني زيادة استهلاك واقعي أكبر بـ 60٪ تقريبًا.
وبحلول 2022، استثمرت الصين نحو 240 مليار دولار في دول الشراكة، ضمن مشاريع البنى التحتية والتعاون، وبحسب تقرير البنك الدولي، زادت التجارة بين الدول المشاركة بحوالي 4.1٪، وجذبت استثمارات أجنبية إضافية بنسبة 5٪. كذلك زادت ناتج الدول منخفضة الدخل المشاركة بـحوالي 3.4٪ بسبب المبادرة.
أمام تلك النجاحات المتسارعة والمتصاعدة، وامام التحديات والضغوط الدولية لا سيما السياسات الأميركية الأحادية والعدائية، من المتوقع أن تحمل الخطة الخمسية الخامسة عشر طابعَين بارزين: التركيز على الصمود والسيادة التقنية والانتقال الأخضر داخلياً من جهة، وتعميق الشراكات التجارية واللوجستية العالمية خارجياً من جهة أخرى، مع استمرار نجاح الأدوات المعتمدة مثل الحزام والطريق لكن بصيغ أكثر تركيزًا على الجودة والحدّ من مخاطر الدين.
الخطة الخمسية الخامسة عشرة ستُركّز على القدرة على التحمل والـسيادة التقنية والانتقال الأخضر داخل الصين، مع استمرار سياسة خارجية عملية تُوظّف أدوات اقتصادية، مثل الإصدار المتوقع لصيغ جديدة من تعزيز الروابط التجارية واللوجستية. بالنسبة للعالم العربي، هذا يفتح فرصًا حقيقية، خاصة في الطاقة المتجددة، واللوجستيات المشروطة بذكاء السياسات المحلية وإدارة المخاطر.
فوزي بوذياب
كاتب وباحث سياسي